فضاء الأطلس المتوسط نيوز/ بقلم سفيان إنجدادي
(مستشار في الحكامة، وتدبير الشأن المحلي)
تتواصل احتجاجات (GENZ212) في المغرب لليوم الحادي عشر على التوالي، في عدد من المدن الكبرى بالمملكة، رافعة مطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية، أبرزها رفض استمرارالحكومة الحالية والمطالبة بتدخل ملكي لحسم الوضع السياسي الراهن. وقد وضعت هذه التحركات السلطات العمومية في موقف حرج، خصوصا مع اقتراب تنظيم المغرب لكأس قارية استعد لها بشكل مكثف.
تعد هذه الحركة تعبيرا غير مسبوق عن صوت فئة شبابية طالما عرفت بالصمت والعزوف عن المشاركة في الحياة السياسية والمدنية، مفضلة النقاش عبر الفضاءات الرقمية التي مكنتها من الوصول إلى المعلومة وتشكيل وعي نقدي خارج القنوات التقليدية. هذا العزوف لم يكن نابعا من رغبة في القطيعة، بل من غياب حاضنة مجتمعية ومؤسساتية قادرة على احتضان تطلعات الشباب. وتؤكد التقارير الرسمية أن هذه الفئة تعاني نسب بطالة مرتفعة وضعفا في جودة التعليم، مع تراجع حضورها في الفضاءات المدنية والسياسية.
وتأتي هذه الاحتجاجات في سياق عالمي يشهد تصاعد الحركات الشبابية، خاصة في الدول ذات النظم الليبرالية، كما حظيت بدعم واسع داخليا، متجاوزة حركة 20 فبراير من حيث التعاطف الشعبي، ويتزامن ذلك مع تزايد الاستياء من السياسات العمومية لحكومة أخنوش، وظهور مؤشرات على توتر غير معلن بين المؤسسة الملكية والحكومة في ملفات اجتماعية وبعض القطاعات الحساسة.
يبدو أن السلطات الأمنية، تحت إشراف وزير الداخلية، لم تكن موفقة في اليومين الأولين من الاحتجاجات، حيث تم تسجيل تدخلات عنيفة وغير انسانية من قبل بعض عناصر الأمن، هذا التعاطي الصدامي منح الحركة زخما وتعاطفا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما وثقت وسائل إعلام وطنية ودولية مشاهد التدخلات، مما جعل القضية تحظى باهتمام ونقاش في الإعلام الدولي، الذي وجه انتقادات لنهج السلطات الأمنية واعتبره مسا بالحريات والحقوق الأساسية.
سارعت السلطات الأمنية إلى تغيير منهجية تدخلها الميداني، مركزة على حماية الأمن العام بعد أن استغل بعض المنحرفين حالة الاحتجاج للقيام بأعمال تخريب وسرقة وتدمير للممتلكات العامة والخاصة. وقد تم تنفيذ حملات أمنية أسفرت عن اعتقال المئات من المتورطين في هذه الأفعال، وهم لا ينتمون إلى الحركة الاحتجاجية التي حافظت على طابعها السلمي، وقد تجلى هذا السلوك في عدد من مناطق المملكة من خلال مشاهد تبادل الورود والتحايا بين المحتجين ورجال الأمن، في صورة تعكس القيم الحقيقية للمجتمع المغربي وروح الانتماء للوطن.
وموازاة مع التحول الإيجابي في تعامل الأجهزة الأمنية مع المتظاهرين، غير الإعلام الرسمي نهجه في التفاعل مع الاحتجاجات، بعد أن تبين للدولة أن تجاهل هذه الفئة في النقاش الإعلامي يعكس نفس التهميش الذي تمارسه الحكومة في سياساتها العمومية الموجهة للشباب. وقد أدركت السلطات أن استمرار هذا الإقصاء قد يعقد الوضع أكثر، ويفتح المجال أمام توسع رقعة الاحتجاجات وانخراط فئات مجتمعية وتنظيمات أخرى، بما قد يشكل تهديدا للاستقرارالعام في المغرب ونحن مقبلين على استضافة تظاهرات رياضية وثقافية كبرى.
ورغم عدم صدور أي تفاعل رسمي من جلالة الملك منذ اندلاع الاحتجاجات، فإن الملك على اطلاع دقيق بمستجدات الوضع، خلافا لما تروجه بعض الأطراف، وبحكم مكانته الدستورية وأدواره المحورية، يمتلك صلاحيات تمكنه من التدخل لحلحلة الأزمة، وترتيب المسؤوليات، وإعادة ضبط المشهد العام، ومن المنتظر أن يلقي الملك خطابا ساميا بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان يوم الجمعة المقبل، وقد يكون هذا الخطاب مرجعا استثنائيا لرسم خارطة طريق جديدة تعيد الاستقرار للمجالين الاجتماعي والسياسي، وتؤسس لمرحلة تعطى فيها الأولوية لقضايا الشباب والمواطنين ضمن السياسات العمومية، في إطار روح الوطنية والمسؤولية، وتمهد الطريق لإصلاحات جوهرية تحسبا للمرحلة المقبلة من نظام الحكم المغربي، بما يواكب تطلعات جيل Z ويهيئ لمغرب المستقبل.
ومن منطلق حرصنا على إثراء النقاش العمومي وتعزيز المشاركة المواطنة ومسؤوليتنا المجتمعية، يشكل الوضع الراهن فرصة حقيقية يجب التعامل معها بحكمة واستراتيجية واضحة. فاستثمار طاقات الشباب، بوصفهم العنصر البشري الأساسي، يمكن أن يكون قاعدة لبناء دولة متقدمة وقوية، ويتطلب ذلك نية صادقة، وعزيمة وإرادة حقيقية، والانخراط الكامل في تصحيح المسار بتجرد من أي انتماء سياسي أو إيديولوجي، ولتجنب تأجيل الأزمات ولاستثمارها في تعزيز الحقوق والحريات، وتحقيق تقدم المجتمع وازدهارالدولة، بما يضمن الاستقرار والتنمية المستدامة لجميع المواطنين، أرى أن المغرب اليوم بحاجة إلى إصلاحات محورية تضع المواطن في قلب السياسات العامة والعمومية، وتعزز المسار الديمقراطي واستقرارالدولة:
أولا: الإعلان عن موعد محدد في مطلع السنة المقبلة لإطلاق ورش التعديلات الدستورية، بهدف تعزيز روح الدستور وترسيخ دولة الحقوق والحريات، وضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمواطنين، مع الدعوة إلى تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لتعزيز المشاركة المواطنة وتجديد الشرعية الديمقراطية.
ثانيا: وضع آليات دستورية وقانونية واضحة وفعالة لتدبير الأزمات السياسية والاجتماعية، بما يضمن استقلالية السلط ويحافظ على روح النظام الديمقراطي، مع إعادة النظر في الفصل 47 من الدستور، عبر إقرار منح الثقة لرئيس الحكومة داخل البرلمان بشكل ديمقراطي بين مختلف القوى السياسية، وإمكانية إقالته وإعادة تعيين رئيس جديد من طرف الملك في حالات استثنائية محددة بدقة في نص دستوري.
ثالثا: توسيع آليات مساءلة الحكومة خارج قبة البرلمان، وتعزيز مساطر سحب الثقة باعتماد الأغلبية المطلقة بدل ثلثي أعضاء البرلمان، مع توسيع صلاحيات رئيس الحكومة في تدبير الشأن العام، و الحفاظ على تدخل المؤسسة الملكية في القضايا السيادية، الأمنية، الدينية والخارجية.
رابعا: إصلاح المنظومة التشريعية بإلغاء الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس المستشارين)، وترشيد العمل التشريعي، وإخضاع جميع القوانين سواء التنظيمية أو العادية للمراقبة الدستورية، مع تمكين منظمات المجتمع المدني من الدفع بعدم الدستورية والطعن في القوانين المخالفة.
خامسا: تعزيز منظومة الحقوق والحريات، من خلال توسيع هامش حرية التعبير وضمان الحقوق المدنية والسياسية، وتسهيل مشاركة الجالية المغربية المقيمة بالخارج عبر آليات تصويت مباشرة في السفارات والقنصليات، وإحداث آلية للاستفتاءات الشعبية حول القرارات المصيرية ذات البعد الوطني، وفق ضوابط قانونية واضحة.
سادسا: ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع إشراك المواطنين والجمعيات في تتبع وتقييم أداء المرافق العمومية، وبناء جسور الثقة بين الدولة والمجتمع.
سابعا: ضمان تدبير شفاف وفعال للمال العام والمرافق العمومية، من خلال سن آليات قانونية صارمة لمكافحة تضارب المصالح، خصوصا لدى المنتخبين والمسؤولين العموميين.
ثامنا: تعزيز المشاركة العمومية في صياغة السياسات والقوانين، عبر آليات التشاور العمومي والديمقراطية التشاركية، بما يضمن تعددية الآراء وفعالية القرار التشريعي.
تاسعا: إطلاق إصلاحات جبائية عميقة تهدف إلى تحقيق العدالة الضريبية والاجتماعية، وضمان توزيع عادل للعبء الضريبي بين مختلف الفئات.
عاشرا: إعادة ترتيب أولويات الدولة بما ينعكس على هيكلة الميزانية العامة، مع اعتماد استراتيجيات دقيقة وشفافة لضمان النجاعة والفعالية في القطاعات الاجتماعية الحيوية، خاصة التعليم والصحة والتشغيل.