فضاء الأطلس المتوسط نيوز/محمد عبيد
يعتبر دور الجماعات القروية في تخطيط التنمية المحلية بإقليم إفران، إذ تلعب الجماعات القروية الثماني في هذا الإقليم، مثل تيزكيت وواد إفران وسيدي المخفي وبن صميم، دورًا أساسيًا كفاعل رئيسي في تخطيط التنمية المحلية من خلال مجالسها المنتخبة التي تضع خططًا تتناسب مع احتياجات السكان، بما في ذلك إدارة المرافق العمومية والأسواق الأسبوعية لتعزيز الاقتصاد القروي.
وبخصوص آليات التخطيط والمشاركة فتشرف هذه الجماعات على وضع برامج تنموية محلية تشمل تحسين الطرق القروية وتطوير الفلاحة الرعوية، مع التنسيق مع الفاعلين المؤسساتيين للحصول على تمويلات لتنفيذ برامجها ومشاريعها، كما في مشاريع إعادة الهيكلة في تيزكيت، مما يعزز مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات وتقريب الإدارة من السكان.
كما تساهم الجماعات القروية بهذا الاقليم في إعداد مخططات التهيئة العمرانية والتنمية القروية لفتح طرق جديدة وتنظيم العنونة العقارية، رغم ضعف الموارد الذاتية الذي يجعلها تعتمد بنسبة 66% على التحويلات الحكومية.
جانب آخر يتطلب الوقوف عليه، ويتعلق بمدى تأثير التخطيط المحلي على الخدمات الأساسية بإقليم إفران، خاصة من خلال الجماعات القروية مثل تيزكيت وواد إفران، فالتقييم يعد إيجابيًا جزئيًا على الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والطرق، حيث ساهم في تحسين الوصول إليها عبر مشاريع التنمية الترابية المندمجة، لكنه يظل محدودًا بسبب ضعف الموارد الذاتية.
وتشير المؤشرات الرئيسية للتقييم إلى تحسين البنية التحتية مثل إعادة هيكلة الطرق القروية وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي، مما أدى إلى تقليل العزلة في القرى النائية وتعزيز الخدمات الصحية والتعليمية، كما في مشاريع بن صميم لتسويق المنتجات الفلاحية التي تربط الاقتصاد بالخدمات.
أيضاً يُقاس التأثير من خلال مشاركة المواطنين في اللقاءات التشاورية، التي حسنت جودة الحياة لكنها لم تعالج بعد الاعتماد بنسبة 66% على التحويلات الحكومية.
ورغم التقدم، يعاني التخطيط من نقص في التنفيذ الشامل بسبب التهميش والتغيرات المناخية، مما يؤثر سلبًا على استدامة الخدمات في المناطق الجبلية، ويتطلب تعزيز التنسيق الإقليمي والمؤشرات الرقمية للمتابعة لتحقيق تأثير أكبر.
كما يمكن الحديث عن الفاعلين العمومين في الميدان التنموي كونهم يعدون من أهم المواضيع التي استأثرت باهتمام الباحثين، ويقصد بذلك كل شخص أو مؤسسة تسعى إلى تحريك المسلسل التنموي..
فمعلوم ان المغرب انتهج منذ السنوات الأولى للاستقلال سياسة مكنته من التخفيف من حدة الأسلوب المركزي المتمثلة في تبنيه للامركزية، والتي هي عبارة عن أسلوب إداري يعهد بواسطتها سلطة البث في بعض الأمور و القضايا الإدارية إلى هيئات محلية تتمتع بنوع من الاستقلال اتجاه الحكومة المركزية، وذلك بهدف توجيه السياسة التنموية وفق حاجيات ومتطلبات الساكنة المحلية وإعطائها حق اتخاذ القرارات، كما هدف من خلالها الى تقريب الإدارة من المواطنين من أجل النهوض بوضعية الجماعات الترابية، إذ تعتبرهذه الأخيرة من بين أهم الوحدات الترابية التي تعد أول متدخل وفاعل في التنمية الترابية، بالإضافة إلى مختلف المصالح الخارجية.
معلوم ان العالم القروي بإقليم إفران يتميز بجمال طبيعي خلاب ضمن جبال الأطلس المتوسط، ويشهد اهتمامًا حكوميًا متزايدًا عبر مبادرات مثل "قافلة القرب" لتقريب الخدمات (قانونية، تقنية، إسكان) وتنمية الاقتصاد المحلي، مع التركيز على تثمين المنتجات الفلاحية، والسياحة القروية، والصناعات التقليدية، في إطار رؤية ملكية لتقليص الفوارق وتحقيق العدالة الترابية، وتشمل جل مناطق الجماعات القروية مثل تيزكيت وتيكريكرة وتيمحضيت.
ويمتد الإقليم عبر مناطق متنوعة تتضمن 7جماعات قروية (ضاية عوا، تيزݣيت، بن صميم، تيكريكرة، سيدي المخفي، واد افران وعين اللوح).
جماعات تحظى بمبادرات تهدف لتقريب خدمات التعمير والإسكان القانونية والمعمارية والتقنية من سكان القرى بهذه الجماعات وبتنظيم ورشات وتوفير عروض سكنية ودعم الاستثمار، وكذا تشجيع إنشاء وحدات لتثمين المنتجات الفلاحية، وتنمية السياحة القروية، ودعم الصناعات التقليدية، والنهوض بالأنشطة الثقافية والرياضية..
ومن بين التحديات والآفاق تقريب الخدمات سد الفجوة بين الخدمات الحضرية والقروية، وتقديم الدعم اللازم للسكان، ومواكبة الاستثمارات في المناطق القروية وتحفيز التنمية الاقتصادية المحلية، والعمل على استغلال المؤهلات الطبيعية للسياحة مع الحفاظ على البيئة، وهو ما يساهم في دينامية المنطقة.
يأتي هذا الدعم تنفيذاً للتوجيهات الملكية السامية لتقليص الفوارق المجالية وتحقيق التنمية المستدامة في العالم القروي.
في هذا الاتجاه، يمكن ان نقف على واقع الجماعات القروية في إقليم إفران، واقع يمثل نموذجًا حيًا للمناطق الجبلية التي تشهد تحولات عميقة ومتسارعة بفعل عوامل متعددة تتمثل في جاذبية المدينة السياحية القريبة، وكذلك ثراء الإقليم بمؤهلات طبيعية وسياحية عالية.
وبالرغم من الجهود المسجلة، فإن هذه الجماعات القروية بإقليم افران تواجه تحديات مثل التهميش والعزلة في المناطق الجبلية، مما يحد من فعالية تخطيطها، لكنها تشارك في "جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة" عبر لقاءات تشاورية حديثة لتعزيز السياحة القروية والمنتجات الفلاحية، كما في منصة تسويق بن صميم، لتحقيق تنمية مستدامة.
هذا الدور يعزز اللامركزية ويربط بين الاحتياجات المحلية والاستراتيجيات الإقليمية لتجاوز نقص البنية التحتية.
هذا الواقع المتشابك يخلق ديناميكية معقدة بين التمسك بالهوية القروية الأمازيغية التقليدية والبحث المستمر عن فرص اقتصادية وحياتية جديدة تلبي تطلعات السكان.
فكما هو معلوم تتميز هذه الجماعات بطابعها الأمازيغي الجبلي المميز، حيث يشكل الترحال الموسمي والتقلبات المناخية تحديات مستمرة لسكانها، إلى جانب تأثير قرب مدينة إفران التي تمثل مركزًا حضريًا سياحيًا مُغرٍ وفرصة عمل للعديد من الشباب.
ويعتمد اقتصاد هذه الجماعات أساسًا على الفلاحة الرعوية والزراعة البورية، مع سجل تراثي غني يعكس عمق الثقافة الأمازيغية، لكنه يختلف من جماعة إلى أخرى، كما يظهر في جماعتي واد إفران وسيدي المخفي (على سبيل المثال)، حيث تتفاوت ظروف التنمية والبنية التحتية بشكل ملحوظ، رغم وجود جهود حكومية ومحلية لتحسين المستوى المعيشي.
أما من الناحية السكانية، فمعظم سكان هذه الجماعات يعودون إلى قبائل أمازيغية عريقة مثل آيت سغروشن وآيت أورتيندي، وتحتوي بعض المناطق على تراث علمي وديني مهم يتجسد في وجود مدارس عتيقة ومؤسسات تعليمية تقليدية، وهذا يشكل عنصرًا ثقافيًا وإنسانيًا ذا قيمة كبيرة رغم بعض مظاهر التهميش.
تواجه هذه الجماعات عدة تحديات اقتصادية واجتماعية بارزة، أبرزها الهجرة القوية نحو مركز إفران بسبب تراجع الفلاحة نتيجة تغير المناخ وصعوبة الظروف الطبيعية، إضافة إلى البحث عن فرص في قطاعي السياحة والخدمات.
ونتيجة لهذا، يعاني سكان القرى النائية بشكل خاص من نقص واضح في البنية التحتية الأساسية، مثل الطرق والمراكز الصحية والتعليمية، ما يحد من إمكانياتهم في الاستفادة من الفرص التنموية.
الأنشطة الاقتصادية تظل مرتكزة على الفلاحة والرعي، إلى جانب السياحة القروية وتنمية الحرف التقليدية، مع وجود مراكز قروية صغيرة تتميز بخصوصياتها الاجتماعية والثقافية، مثل سوق الحد في واد إفران وسيدي عدي في جماعة سيدي المخفي التي تشكل نواة لعمل مجتمعي واقتصادي محدود لكنه مهم.
تقارير التنمية تشير إلى أن بعض الجماعات القروية بإقليم إفران، وخاصة تيزكيت، تعاني من ضعف الموارد الذاتية وتعتمد بشكل كبير على تحويلات مالية من الدولة تصل إلى 66% من مداخيلها، مما يعكس ضعف الاستقلالية المالية والحاجة الملحة لتفعيل مبادرات محلية مستدامة تنموية.
وهناك شكاوى متكررة في ما يخص تهميش بعض المناطق ونقص المبادرات التنموية، إلى جانب قضايا الأراضي السلالية التي تثير جدلًا واحتجاجات من ذوي الحقوق بسبب ما يعتبرونه استغلالًا أو تحيّزًا في إدارتها.
في مواجهة هذه التحديات، تبذل السلطات المحلية والجهات الفاعلة جهودًا متواصلة لوضع استراتيجيات تنموية شمولية، من خلال تطوير البنية التحتية، خصوصًا الطرقية منها، وتعزيز إمكانيات الجذب السياحي والاقتصادي.
وينتظر أن يشهد الإقليم إطلاق "جيل جديد من برامج التنمية الترابية المندمجة" بعد اللقاءات التشاورية الموسعة الأخيرة بمشاركة مختلف الفاعلين المحليين، مما يعكس توجهًا عمليًا نحو تنمية مستدامة وشاملة.
ومن المشاريع التطويرية الجارية، توجد مبادرات ملموسة مثل بناء منصة لتقييم وتسويق المنتوجات الفلاحية والغذائية في جماعة بن صميم، بهدف دعم الفلاحين والسكان المحليين وتعزيز قيمة المنتجات القروية في الأسواق، مع التركيز على تنمية السياحة القروية كمصدر جديد للدخل وتحسين جودة الحياة في القرى.
في المحصلة، يعكس إقليم إفران مزيجًا فريدًا من المؤهلات الطبيعية والثقافية والسياحية الغنية، إلى جانب تحديات اجتماعية واقتصادية مركبة، تتطلب تظافر جهود الجميع لتحقيق تنمية متوازنة تدعم الهوية المحلية وتفتح آفاقًا جديدة للتقدم والرقي في الجماعات القروية.