فضاء الأطلس المتوسط نيوز/ محمد عبيد
تستضيف مدينة مراكش انطلاقا منه الإثنين فاتح دجنبر 2025 إلى غاية يوم الجمعة 5 منه المؤتمر العالمي التاسع عشر للمياه، الذي تنظمه الرابطة الدولية لموارد المياه (IWRA) ووزارة التجهيز والماء، تحت شعار: "المياه في عالم متغير: الابتكار والتكيف"، وذلك بغية مشاركة الأفكار الرائدة وتطوير الحلول المشتركة لمستقبل مائي مستدام، ولاستكتشاف حلول لتعزيز أنظمة المياه في عالم مترابط يواجه تغيرًا مستمرًا.
سيجمع هذا الحدث خبراء وباحثين وصانعي سياسات ومن القطاع الخاص لدراسة حلول مبتكرة لمواجهة تحديات المناخ والمياه. إذ ينتظر أن يشارك أكثر من 1500 من قيادات حكومية، وخبراء، وباحثين، وممثلين عن القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني من مختلف دول العالم.
ويتضمن البرنامج جلسات رفيعة المستوى ولقاءات وزارية، بالإضافة إلى أكثر من 140 جلسة تقنية وعلمية بمشاركة كبار الخبراء الدوليين .
ففي مواجهة أزمة مائية أصبحت هيكلية، يتبنى المغرب استراتيجية شاملة ومبتكرة وطموحة، تُشكّل تحلية المياه، ونقل المياه بين الأحواض، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، وتحديث التشريعات ركائز هذه السياسة الطموحة، بقيادة جلالة الملك محمد السادس.
وجاء في دراسة علمية ان المغرب منذ ما يقرب من عقد من الزمان، يواجه مشكلة هيكلية تتمثل في الانخفاض المستمر في منسوب المياه في سدوده، ونضوب موارده المائية التقليدية المخصصة للشرب، وكذلك للاستخدامات الزراعية والصناعية. هذه الظاهرة ليست معزولة.
أيضاً في أفريقيا وآسيا والأمريكيتين، وفي جميع أنحاء العالم، يفرض تغير المناخ، الذي كان واقعه محل تساؤل لدى البعض حتى وقت قريب، قيودًا غير مسبوقة على الدول، ويختبر نماذجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهكذا، أصبحت مسألة إدارة المياه وتنمية الموارد تحديًا وطنيًا وجيوسياسيًا محوريًا.
لقد وضع المشرع المغربي إطارا قانونيا دقيقا لضمان جودة وسلامة المياه المعالجة، فضلا عن اتفاقيات صارمة بين مشغلي الصرف الصحي والمجتمعات المحلية.
الماء مورد حيوي لا غنى عنه، ويُعتبر الآن عنصرًا استراتيجيًا أكثر حساسية من الوقود الأحفوري. تُشكل الزراعة والصناعة والاستهلاك البشري المحركات الرئيسية للطلب، حيث يتحمل القطاع الزراعي عبئًا ثقيلًا للغاية، إذ يستهلك أكثر من ثلثي الموارد العالمية.
في المغرب، كما هو الحال في أماكن أخرى، يُفاقم النمو السكاني والتوسع العمراني وتوسع المناطق المروية وتزايد احتياجات الطاقة الضغط.
تُقدر الأمم المتحدة أن الطلب العالمي سيزداد بأكثر من 50% بحلول عام 2030، وأن هذه الزيادة في الزراعة قد تصل إلى 90% بحلول عام 2050.
تتطلب هذه التوقعات تفكيرًا عميقًا: كيف يُمكننا إيجاد موارد مائية جديدة؟ وكيف يُمكننا تحسين إدارة الموارد المتاحة بالفعل؟
من خلال المشاريع التي تدعم مختلف الإدارات والمؤسسات العامة والمستثمرين من القطاع الخاص في تنفيذ حلول مبتكرة لإدارة المياه، تمكنت شركة نور للاستشارات التجارية من تطوير الخبرة في هذا المجال وبشكل أكثر تحديدًا في الجوانب القانونية المتعلقة بمشاريع المياه.
تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، أصبحت قضية المياه أولوية قصوى، ذلك أن جلالته سبق وان دعا في عدة خطابات إلى التعبئة الوطنية والعمل السريع والمنسق، لا سيما في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الصالح للشرب والري، الذي تبلغ تكلفته 143 مليار درهم. ويرتكز هذا البرنامج على ثلاثة محاور رئيسية: تحلية مياه البحر، ونقل المياه بين الأحواض المائية - المعروف باسم "الطريق المائي" - وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة.
وتشكل هذه المحاور الثلاثة أساس السياسة المائية الجديدة للمغرب. اذ تتحلى في عمليات:
1. تحلية المياه: ركيزة من ركائز السيادة المائية.
أصبحت مياه البحر، التي تغطي أكثر من 75٪ من سطح الأرض، موردًا استراتيجيًا رئيسيًا لإنتاج المياه العذبة. تنتشر تحلية المياه بسرعة: فوفقًا لبيانات "غلوبال ووتر إنتليجنس"، يستخدمها الآن ما يقرب من أربع دول من أصل خمس. هناك أكثر من 21 ألفا محطة عاملة حول العالم، وتزداد قدرتها الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 6٪ و12٪ سنويًا.
وتسيطر تقنيتان رئيسيتان: التناضح العكسي، وهي العملية الأكثر انتشارًا، والتي تشهد تحسنًا مستمرًا في كفاءة الطاقة، والتحلية الحرارية، القائمة على التبخير والتكثيف.
منذ سبعينيات القرن الماضي، انخفضت تكلفة تحلية المياه بنحو 90٪، مما جعل هذه التقنية في متناول الجميع.
وتُعد المملكة العربية السعودية أكبر منتج عالميًا لتحلية المياه، حيث تتجاوز إنتاجيتها 13مليونا مترا مكعبا يوميًا. ومع ذلك، لا تزال هذه المرافق كثيفة الاستهلاك للطاقة، ويتطلب تطويرها زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. هذا هو النهج الذي اتبعته المغرب، التي تجمع تدريجيًا بين مشاريع تحلية المياه والطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
تمتلك المملكة اليوم 17 محطة تحلية مياه عاملة، بسعة إجمالية تبلغ 320 مليون متر مكعب سنويًا. وهناك
أربع محطات أخرى قيد الإنشاء وستمثل 532 مليونا مترا مكعبا إضافية.
ومن بين هذه المحطات، تُعد محطة الدار البيضاء المستقبلية مشروعًا رائدًا.
وقد تم إطلاقها رسميًا في يونيو 2024 برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وستصبح هذه المحطة الأكبر في إفريقيا بإنتاج يبلغ 300 مليونا مترا مكعبا سنويًا.
وستغطي احتياجات مياه الشرب في الدار البيضاء الكبرى، بالإضافة إلى مدينتي برشيد وسطات والمناطق المحيطة بهما.
كما يُعد المغرب رائدًا في نشر وحدات تحلية المياه المتنقلة، والمخصصة في المقام الأول للفلاحة في المناطق الوسطى والجنوبية.
وعلى الصعيد العالمي، تولد هذه السوق المزدهرة بالفعل ما يقرب من 800 مليونا دولارا سنويًا.
2. الطريق المائي: التضامن الوطني في مجال المياه
تواجه المملكة تفاوتات جغرافية كبيرة في توافر المياه. فبعض المناطق تتمتع بموارد وفيرة، بينما تعاني مناطق أخرى من عجز هيكلي تفاقم بسبب دورات الجفاف المتتالية. ولمواجهة هذا التحدي، أطلق المغرب مشروعًا رئيسيًا للبنية التحتية: مشروع النقل بين الأحواض، المعروف باسم "الطريق المائي".
المرحلة الأولى، التي افتُتحت في غشت 2023، تربط حوض سبو بحوض أبي رقراق، وتضمن نقل 400 مليونا مترا مكعبا سنويًا.
أما المرحلة الثانية، التي يجري الإعداد لها حاليًا، فستزيد هذه السعة إلى ما يقرب من 800 مليونا مترا مكعبا سنويًا، وستمتد إلى سد المسيرة، وهو خزان حيوي لوسط البلاد. أما المرحلة الثالثة، فستربط أحواض وادي لو، واللوكوس، وسبو، وأبي رقراق، وأم الربيع، بطاقة نقل تقدر بـ ٤٠٠ مليون متر مكعب سنويًا.
ويستفيد هذا المشروع من دعم استراتيجي في إطار التعاون الدولي للمملكة. تشمل الشراكة المبتكرة، التي وُقّعت عام 2023 مع الإمارات العربية المتحدة، خلال الزيارة الملكية لأبوظبي، العديد من مشاريع البنية التحتية المائية الكبرى، بما في ذلك مشاريع نقل وتوزيع المياه.
تُعزز هذه الشراكات قدرة المغرب على تنفيذ سياسة مائية مرنة.
3. إعادة استخدام مياه الصرف الصحي: مورد استراتيجي.
تُعدّ إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة من أبرز الروافع الواعدة لتخفيف الضغط على الموارد التقليدية.
وفي إطار البرنامج الوطني للصرف الصحي المشترك وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي (PNAM)، يهدف المغرب إلى تعبئة 100مليونا مترا مكعبا بحلول عام 2027، و573 مليونا مترا مكعب بحلول عام 2040.
حاليًا، يُعاد استخدام ما يقرب من 53 مليونا مترا مكعبا، تُستخدم أساسًا لسقي المساحات الخضراء وملاعب كرة القدم والجولف، ولبعض الاستخدامات الصناعية.
وتشهد مشاريع كبرى ناشئة، لا سيما في الدار البيضاء، حيث تُنشئ شركة التنمية المحلية "كازا بايا" بنية تحتية جديدة للضخ والمعالجة للري الحضري.
أمافي القطاع الصناعي، فقد أدمجت العديد من الشركات الرائدة، بما في ذلك مجموعة OCP ورينو، إعادة الاستخدام في عملياتها.
ومع ذلك، يتطلب هذا القطاع تنظيمًا صارمًا.
وقد وضع المشرعون المغاربة إطارًا قانونيًا دقيقًا لضمان جودة وسلامة مياه الصرف الصحي المعالجة، بالإضافة إلى اتفاقيات صارمة بين مُشغّلي خدمات الصرف الصحي والسلطات المحلية.
يعد الامتثال القانوني ضروريًا لمنع أي مخاطر صحية وضمان أن العمليات تلبي المتطلبات البيئية.
4. الإطار القانوني: ركيزة أساسية.
شهد الإطار القانوني المغربي تحديثًا ملحوظًا مع صدور القانون 36-15المتعلق بالمياه عام 2016.
وقد حل هذا القانون محل القانون 95.10، وأحدث تطورات جوهرية، منها إنشاء مجالس أحواض الأنهار، ووضع إطار قانوني خاص لتحلية المياه، وتشديد الرقابة على إعادة استخدام مياه الصرف الصحي، والالتزام بالحفاظ على معدل تدفق بيئي، واعتماد تخطيط الصرف الصحي على نطاق واسع، والإدارة التشاركية، ونظم المعلومات المائية، وتبسيط الإجراءات الإدارية.
ومع ذلك، لا تزال العديد من المراسيم التنفيذية معلقة، مما يُبطئ التطبيق الكامل للقانون.
يُعد استكمال هذا الإطار التنظيمي أمرًا بالغ الأهمية لدعم الاستثمارات الضخمة التي يضخها المغرب.
5. التعاون الدولي والتأثير:
أخيرًا، يُرسّخ المغرب ريادته في مجال المسطحات المائية الدولية باختضانه المؤتمر ال19 لتعزيز أنظمة المياه المياه في عالم متغير.
الهدف واضح، ضمان الأمن المائي للبلاد بشكل مستدام والحفاظ على الموارد للأجيال القادمة





