فضاء الأطلس المتوسط نيوز/ محمد عبيد
المهرجانات، في سياق السياسة، يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الترويج للثقافة الوطنية، وتعزيز التماسك الاجتماعي، وحتى التأثير على الرأي العام. المهرجانات لا تقتصر على كونها فعاليات ترفيهية، بل يمكن أن تكون أدوات قوية في يد الدولة لتحقيق أهداف سياسية واجتماعية واقتصادية.
تزايد عدد المهرجانات، يثبت أنها آلية للتنفيذ السياسي، ويعتبرها محللون بأنها “آلية للتنفيذ من الاحتقان الاجتماعي، على غرار سهرات سباق المدن التي كانت تنظم تحت إشراف وزارة الداخلية في عهد البصري خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي تميزت بانتفاضات شعبية بالدارالبيضاء ومدن الشمال والمراكز ثم فاس”
المهرجانات هي سياسة تقوم على توفير الرغيف والفرجة، وآلية للتنفيذ السياسي، خاصة في مجتمع شاب كالمغرب تعاني فيه فئات واسعة من البطالة وغياب متنفسات ثقافية وغيرها.
وأمام تزايد هذه المهرجانات وما يخصص لها من دعم إداري ومخصصات مالية، ظهرت أصوات تعتبر بأن هناك أولويات اجتماعية وتنموية أهم من تنظيم هذه المهرجانات، دون أن تدري بأن المهرجانات أصبحت ظاهرة عالمية تتبناها كل الدول، خاصة تلك التي تعتمد على السياحة كمورد من موارد الدولة، والمغرب كبلد سياحي في حاجة لهذا النوع من المهرجانات لاستقطاب السياح سواء من خارج البلد أو من داخله”.
المهرجانات هي مزيج معقد من الثقافة والتجارة والسياحة.
يمكن أن تكون المهرجانات وسيلة لتعزيز التراث الثقافي، ولكنها غالبًا ما تكون مدفوعة أيضًا بمصالح تجارية وتهدف إلى جذب السياح الى جانب ما لها من التأثير الثقافي للحفاظ على التراث وعلى التقاليد والفنون والحرف اليدوية المحلية، وتقدم منصة لعرضها والاحتفال بها... ومن فرص تبادل ثقافي للتفاعل بين الثقافات المختلفة، وتعزيز التفاهم المتبادل والاحترام.، وتنمية مجتمعية من خلال تعزيز الهوية الجماعية والروابط الاجتماعية داخل المجتمعات المحلية، وتشجع على المشاركة المجتمعية.
هذا فضلا عن التأثير التجاري ودعم الصناعات الإبداعية مثل الفنون والموسيقى والحرف اليدوية، من خلال توفير أسواق ومنصات لعرض منتجاتها وخدماتها... ومناسبة لتحفيز النمو الاقتصادي والمساهمة في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال زيادة الإنفاق على الفنادق والمطاعم والنقل والصناعات المحلية، ومن خلق فرص عمل مؤقتة ومتنوعة، خاصة في قطاعات الضيافة والخدمات والسياحة.
ويسجل خلال فصل الصيف اساسا تعدد تنظيم المهرجانات في الحواضر وكذلك البوادي بأشكال ومسميات كثيرة بل ولا يخلو يوم إلا وهناك مهرجان ما في السينما والدراما والمسرح والشعر والموسيقى وغيرها، وهذا واقع ينم عن الثراء في الثقافة والفنون والاداب، لكننا لم نر تاثيرا لهذه المهرجانات على واقعنا بشكل ملموس؟.. حيث ان أغلب المهرجانات اليوم استهلاكية، وليس لها تأثير ودفعة مهمة في تنمية الذوق الفني للمواطنين كما أنها لا تلعب دورا أو تشكل قاطرة تقود الثقافة بالمغرب.
وإذ تعتبر المهرجانات ظاهرة متعددة الأوجه، حيث تلعب دورًا ثقافيًا واقتصاديًا وسياحيًا في نفس الوقت... فالواجب أن يكون هناك توازن بين هذه الجوانب لضمان تحقيق أقصى استفادة من المهرجانات؟
الأكيد أن المهرجانات تساهم في خلق نوع من الدينامية الفنية والثقافية، إضافة إلى تقريب الفرجة للجمهور، وتنظيم الكثير من الأنشطة الموازية ذات المرامي الاجتماعية مثل زيارة دور الأيتام والعجزة والمستشفيات والمؤسسات التربوية والاجتماعية وغيرها، وإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة دعما وتشجيعا لهم... هذا دون نسيان الدور الاقتصادي، حيث يتحول كل مهرجان إلى مناسبة للرواج التجاري، وتحسين الدخل للكثير من الأسر التي تعمل مثلا في المجال السياحي والصناعة التقليدية وغيرها من المهن والحرف التي تندرج في إطار ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي.
لكن للأسف الشديد ، الاحترافية وقوة التأثير في المحيط وتحقق البعد التنموي يشكل الاستثناء وليس القاعدة في خريطة المهرجانات بالبلاد، حيث أن غالبيتها تبقى لحظات احتفالية عابرة مفصولة عن سياقها الثقافي والاجتماعي وتفتقر إلى رؤية تنموية مستدامة... ويتناسى أهم بعد في هذا المجال، وهو التفاعل مع الجمهور وصناعة التغيير في صلبه، خصوصا من الفئات الشابة التي يتعين أن يكون النشاط الفني لها عامل إدماج وتثقيف وتربية وشعور بالمواطنة.
بل إن اغلبها فقد أهدافه المرسومة من أجلها، وأصبح عبارة عن لقاءات لاستدعاء الأصدقاء و الأقارب، ما أن تنتهي حتى ينتهي أثرها دون أن يكون لها أي انعكاس إيجابي، وتبقى مجرد مناسبات لهدر المال وتحقيق مكاسب شخصية لا غير، وهو ما يتنافى مع الأهداف السامية لمثل هذه التظاهرات.
من جانب اخر ، تستفيد اغلب هذه المهرجانات من الدعم العمومي.
وهنا يطرح سؤال حول شفافية هذه المنح ومدى التحقق من أن الممارسات المالية وطرق صرفها سليمة وتستجيب لمبدأ الشفافية والمحاسبة... ولم لا توظيف السيولة المالية لهذه المهرجانات في مشاريع اجتماعية وتنموية ذات الأولوية، خاصة إذا كانت المدن التي تقام فيها هذه المهرجانات تفتقد للحد الأدنى للبنيات التحتية... مدن تخلفت عن ركب التطور كباقي المدن إثر سنوات عجاف مرت عليها... مدن بلغت ذروتها من الفقر والهشاشة والبطالة... مدن توقفت بها عجلة التنمية... مدن تعيش في الظلام والحفر والازبال.
لسنا ضد المهرجانات، ولكن هناك أولويات ومشاكل اجتماعية متعددة، لابد من التفكير فيها وإيجاد الحلول الناجعة لها!؟...
علينا التفكير في هموم المواطنين وتطلعاتهم بكل مسؤولية، قبل التفكير في التسلية وهدر الأموال التي يمكن أن تسخر من أجل خدمة قضايا ذات أولوية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق