فضاء الأطلس المتوسط نيوز/ البروفيسور زكريا جبار
شكلت قضية الإنسان وارتباطه بالتنمية قضية محورية تتسم بتشعبها وتعقيدها، كونها ترتبط بتحقيق التنمية الشاملة التي ترتكز على الإنسان كـمشارك نشط ومستفيد من عملية التنمية نفسها...فهي تعني أن الإنسان ليس مجرد متلقٍ سلبي، بل هو محور التنمية، وهدفها الأساسي، مع التأكيد على حقه في المشاركة الفعالة والتمتع بثمارها، مما يستوجب نهجًا قائمًا على حقوق الإنسان يضمن الإنصاف وعدم التمييز.
وإن كانت التنمية تعتبر عملية تتم من أجل الإنسان وبتوجيه منه، وليس العكس، فإنها في عمقها تهدف إلى تمكين الأفراد ليكونوا فاعلين في تحقيق التنمية وتعزيز قدرتهم على تحقيق ذواتهم..
إلا أن عملية التنمية تتطلب توزيعًا عادلاً لمنافعها بين الأفراد والمجتمعات دون تمييز، وهو ما يضمن استدامتها وشموليتها، ذلك أن ربط الإنسان بالتنمية يضمن تحقيق استدامة لا تقتصر على البيئة والموارد بل تشمل استدامة التنمية البشرية والاجتماعية، مما يحمي الأجيال القادمة من مشاكل مستقبلية، وبالتالي لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية دون القضاء على الفقر والجوع وضمان حصول الجميع على الموارد والخدمات الأساسية، مع ضرورة إعمال كافة حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بما في ذلك الحق في التعليم والصحة والمشاركة السياسية والاجتماعية، فضلا عن إكراهات أخرى منها التمييز وغياب تكافؤ الفرص والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي..
بهذا، تصبح قضية الإنسان وارتباطه بالتنمية إشكالية أساسية تضع الإنسان في مركز عملية التنمية مع ضمان حقوقه وتحقيق رفاهيته كهدف ووسيلة في آن واحد.
في هذا السياق كتب البروفيسور زكريا جبار موضوعا يتحدث فيه عن أهمية الاهتمام بالبشر أكثر من الحجر، حيث ربط موضوعه بالحديث عن الفقر التنموي المستدام حين يغيب الإنسان عن مركز التنمية خاصة في المناطق الهشة او الهامشية نظرا لارتباط حياة وعيش البروفيسور زكريا بالوسط الاجتماعي بالأطلس المتوسط.
وجاء في مقال البروفيسور زكريا جبار بأن قضية التنمية في الأقاليم الهامشية تطرح أسئلة جوهرية تتجاوز البنيات التحتية والمشاريع التقنية لتلامس جوهر العملية التنموية: هل التنمية مسألة تقنية أم اجتماعية؟ وهل يمكن اختزالها في مشاريع ممولة دون إشراك حقيقي للساكنة؟
من هنا يبرز مفهوم الفقر التنموي المستدام، وهو ليس فقط عجزا في الموارد أو الإمكانات الاقتصادية، بل بالأساس عجز في إنتاج الأفكار والرؤى المجتمعية القادرة على صياغة تخطيط تنموي سليم وعادل.
ففي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى البرامج الجديدة للتنمية الترابية في عدد من الأقاليم المغربية، يظل السؤال الأكبر مطروحا: هل التنمية مجرد إجراءات تقنية ومشاريع جاهزة، أم أنها فعل اجتماعي يحتاج إلى مشاركة الناس ليكتسب المعنى والجدوى؟
#فقر من نوع آخر:
كثيرا ما نتحدث عن الفقر من زاوية الدخل والموارد، لكن هناك نوعا آخر من الفقر لا يقل خطورة: الفقر في إنتاج الأفكار التنموية. هذا الفقر يظهر عندما يتم رسم المخططات التنموية من طرف جهة معينة لفائدة الساكنة، دون إشراكهم في القرار أو حتى الاستماع إلى احتياجاتهم الحقيقية، وعندما يختزل الفعل التنموي في تقارير تقنية أو مشاريع صماء، يغيب البعد الإنساني والاجتماعي، فتفقد التنمية بعدها الجماعي وتتحول إلى مجرد أوراش ظرفية لا تترك أثرا طويل المدى.
#الإشراك الشكلي… معضلة قائمة:
في كثير من الحالات، يتم الحديث عن "المقاربة التشاركية"، لكن على أرض الواقع، يتحول هذا الإشراك إلى مجرد إجراءات شكلية. يتم تنظيم لقاءات استشارية أو جلسات استماع، لكن القرارات الأساسية تظل محصورة في أيدي قلة من الفاعلين، بعيدا عن نبض الساكنة وتطلعاتهم. وهنا يولد "الفقر التنموي المستدام": فقر لا يقتصر على غياب المشاريع، بل على غياب الرؤية المشتركة، وعلى استمرار التعامل مع المواطن كمتلق سلبي بدل اعتباره شريكا فاعلا.
#التنمية كعقد اجتماعي:
التنمية الحقيقية لا يمكن أن تنجح إلا إذا تحولت إلى قضية جماعية يتبناها الجميع. فهي ليست "هدية" إلى المواطن، بل حق ومسؤولية مشتركة. فالتنمية الناجحة تحتاج إلى عقد اجتماعي تضامني يربط بين الدولة، الجماعات الترابية، المجتمع المدني (ليس فقط جمعيات الإدارة)، والساكنة. عقد يجعل من التنمية فعلا جماعيا ينبع من الإنسان ويعود بالنفع على الإنسان.
#من التنمية التقنية إلى التنمية الإنسانية:
الانتقال من التنمية التقنية إلى التنمية الإنسانية يعني أن نعطي للأفكار مكانتها المركزية. فالمشاريع وحدها لا تكفي إن لم تكن منسجمة مع انتظارات الناس، وإن لم تمنحهم الأمل في مستقبل أفضل. ولذلك، يبقى الرهان الأكبر هو إبداع حلول محلية، تنطلق من الواقع وتستثمر في الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة، بدل استنساخ وصفات جاهزة لا تلائم الخصوصيات المجالية.
فإذا استمر اختزال الفعل التنموي في إجراءات تقنية، فإننا سنظل أمام "فقر تنموي مستدام" يعيد إنتاج الهشاشة والتهميش. أما إذا نجحنا في جعل التنمية مشروعا إنسانيا جماعيا، فإننا سننتقل من:
*الفقر في الأفكار إلى الإبداع المحلي في الحلول
*التنمية من فوق إلى التنمية بالمشاركة.
*الاهتمام بالمجالات إلى الاهتمام بالإنسان في المجال.
عموما الحلول لن تأتي من الخارج فالحلول تبدأ حين تتحول التنمية من فعل يُمارس "لفائدة" الساكنة إلى مشروع جماعي ينجز "بواسطة" الساكنة".






0 التعليقات:
إرسال تعليق