فضاء الأطلس المتوسط نيوز/ محمد عبيد
أعلنت جماعة مكناس عن إطلاق مشروع اجتماعي وإنساني جديد يهدف إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة الكلاب الضالة المنتشرة في المدينة، من خلال إنشاء مركز متخصص لإيوائها ورعايتها، بالتعاون مع جمعية مدنية متخصصة في الرفق بالحيوان.
ويأتي هذا المشروع في إطار الاستراتيجية الجديدة التي تعتمده الجماعة، والتي ترفض بشكل قاطع سياسة إبادة الحيوانات الضالة، وتفضل بدلاً من ذلك تبني طرق إنسانية وأخلاقية تقوم على الإيواء والتلقيح والعلاج.
جاء الإعلان عن هذا المشروع خلال الدورة الاستثنائية التي عقدها مجلس جماعة مكناس يوم الأربعاء 3 ديسمبر 2025، حيث شدد عباس لومغاري، رئيس المجلس الجماعي، على أن الجماعة تتبنى منهجية تحترم حقوق الحيوان وتتماشى مع التطورات العلمية في مجال الرفق بالحيوان.
وأوضح لومغاري أن الوعاء العقاري المخصص لإقامة المركز جاهز حالياً، في انتظار انطلاق التنفيذ وما سيسهم بذلك في تنظيم أفضل للحياة في الشوارع وحماية صحة المواطنين.
يستهدف مركز إيواء الكلاب الضالة إيجاد حلول مستدامة لمنع انتشار هذه الحيوانات بصورة عشوائية، والتي غالباً ما تثير مخاوف صحية وأمنية بين السكان، حيث ستقوم الجماعة بتلقيح الحيوانات والتأكد من سلامتها الصحية قبل إطلاقها أو إيوائها، وهو ما يقلل من مخاطر الأمراض المنقولة ويدعم الحفاظ على الأمن في الأحياء.على الرغم من التأييد الواسع لهذا المشروع الإنساني والخطوة الجديدة في تحسين جودة الحياة بالمغرب، إلا أن الرأي العام المحلي يثير تساؤلات مهمة حول أولويات الدعم والرعاية في المجتمع.
إذ يتساءل المواطنون عن الإجراءات التي تتخذها السلطات المحلية في ما يخص إيواء الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، وبالأخص الأطفال المتشردين في أحياء مثل "حمرية" وأماكن أخرى، فضلاً عن قضايا إيواء الأشخاص المختلين ذهنياً والمهددين بالظروف المناخية القاسية، التي تتفاقم في فصل الشتاء.
تشير هذه التساؤلات إلى ضرورة تبني سياسة شاملة تراعي مختلف فئات المجتمع، بحيث لا تقتصر التدخلات الإنسانية على الحيوانات فقط، بل تتحقق العدالة الاجتماعية وحماية كل الكائنات التي تعيش في المدينة ضمن بيئة آمنة وصحية. ويبدو أن المشروع الجديد بمكناس يشكل نموذجاً يمكن أن يُستلهم لتطوير استراتيجيات أخرى في مجالات الرعاية الاجتماعية والصحية بما يخدم الإنسان والحيوان على حد سواء، وبشراكة فعالة مع الجمعيات المدنية والمجتمع المدني.
الأمر يستحق توسيع النقاش حول الجوانب الاجتماعية المرتبطة بالأطفال المتشردين والمختلين عقلياً في مكناس، لربط المشروع الإنساني الخاص بإيواء الكلاب الضالة مع التحديات الاجتماعية الأكبر التي تمر بها المدينة.
تجدر الإشارة إلى التحديات الاجتماعية العميقة التي تواجه المدينة، لا سيما فيما يتعلق بالأطفال المتشردين والمختلين عقلياً، الذين يعانون من ظروف معيشية صعبة للغاية خاصة في فصل الشتاء مع حلول موجات البرد القارس.
يتجول في أحياء كثيرة من مكناس، وعلى رأسها حي "حمرية"، عدد كبير من الأطفال الذين تخلت عنهم أسرهم أو الذين هربوا من منازلهم بسبب الظروف الاجتماعية أو الاقتصادية القاسية.
هؤلاء الأطفال يعيشون في الشوارع بلا مأوى أو حماية، مما يعرضهم لمخاطر جسيمة تشمل الاستغلال، المرض، والجوع، إضافة إلى انعدام الاهتمام الصحي والنفسي الذي هم بأمس الحاجة إليه.
على غرار مبادرة إيواء الكلاب الضالة بمعالجة إنسانية تحفظ حقوق الحيوان وتقلل من المخاطر الصحية، فإن هناك ضرورة ملحة لتأسيس مراكز أو برامج مخصصة لرعاية هؤلاء الأطفال، توفر لهم مأوى آمناً، تغذية كافية، ودعماً نفسياً واجتماعياً يساعدهم على الاندماج في المجتمع وتعويض ما فقدوه من حنان وحماية الأسرة.
إضافة إلى ذلك، يمكن لهذه البرامج أن تدمجهم في أنشطة تعليمية وتدريبية تمكّنهم من بناء مستقبل أفضل وتجنب دائرة التشرد والعنف.
أما بالنسبة للأشخاص من ذوي الحالات العقلية المتدهورة، فإن واقعهم في مكناس يعكس نقصاً في الموارد والخدمات الموجهة إليهم، لا سيما في موسم البرد الذي يزيد من هشاشة أوضاعهم الصحية والنفسية.
وجود مراكز إيواء واستشفاء لهذه الفئة يمثل خطوة أساسية لضمان سلامتهم، توفير العلاج المناسب، وحمايتهم من التشرد والعنف.
كما هو الحال مع الكلاب الضالة، تتطلب هذه الفئة مقاربة إنسانية تراعي كرامتهم وحقوقهم، وتحقق لهم حياة مستدامة وآمنة.
إن ربط مشروع إيواء الكلاب الضالة بمطالب المجتمع المدني لإيجاد حلول إنسانية وحقيقية للأطفال المتشردين والمختلين عقلياً، يمكن أن يشكل بداية لإعادة النظر في السياسات المحلية وإعطاء الأولوية لتطوير بنيات تحتية وخدمات اجتماعية تتناسب مع الواقع المتعدد الأبعاد للمدينة.
وهو ما يدعو إلى تعاون وثيق بين السلطات المحلية، الجمعيات المدنية، والخبراء الاجتماعيين لوضع خطط شاملة تدمج مختلف الشرائح في منظومة الرعاية الإنسانية.






0 التعليقات:
إرسال تعليق